Wednesday, May 4, 2016

الإسراء والمعراج .. رؤية صوفية
يقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « مرتبة العوام في الإيمان : ما قال :
أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار والقدر خيره وشره وهو إيمان غيبي … ومرتبة الخواص في الإيمان : هو إيمان عياني : وكان ذلك بأن الله إذا تجلى لعبده بصفة من صفاته خضع له جميع أجزاء وجوده ، وآمن بالكلية عياناً بعدما كان يؤمن قلبه بالغيب ونفسه تكفر بما آمن به قلبه إذا كانت النفس عن تنسم روائح الغيب بمعزل ، فلما تجلى الحق للجبل جعله دكاً وخر موسى النفس صعقاً ، فالنفس في هذا المقام تكون بمنزلة موسى :
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .
ومرتبة الأخص في الإيمان : هو إيمان عياني : وذلك بعد رفع حجب الأنانية بسطوات تجلي صفة الجلال ، فإذا أفناه عنه بصفة الجلال يبقيه به بصفة الجمال ، فلم يبق له الأين وبقي في العين ، فيكون إيماناً عينياً كما كان حال النبي ليلة المعراج ، فلما بلغ قاب قوسين كان في حيز أين ، فلما جذبته العناية من كينونته إلى عينونة : أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ
أي : من صفات ربه ، فآمنت صفاته بصفاته تعالى ، وذاته بذاته ، فصار كل وجوده مؤمناً بالله إيماناً عينياً ذاته وصفاته » .
وعن بسط الزمان يقول الشيخ سعيد النورسي : « بسط الزمان : هو ما يثبته ويظهره فعلاً المعراج النبوي ، فقد انبسط فيه دقائق معدودة إلى سنين عدة ، فكانت لساعات المعراج من السعة والإحاطة والطول ما لألوف السنين ، إذ دخل بالمعراج إلى عالم البقاء ، فدقائق معدودة من عالم البقاء تضم ألوفاً من سني هذه الدنيا » .
وعن المحبوب الكلي يقول الغوث الأعظم عبد القادر الجيلاني قدس سره العزيز :
« المحبوب الكلي : هو أحمد المصطفى . وجد عين الحياة الحقيقية في معارج المعراج ليلة أسري بعبده في مجلس : ( ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ) قيل له : اغتسل منا بماء : ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) وخذ من دررها عقدا ينظمه لك ناظم الشرف في سلك : ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) ، هذا معنى ذاتك لا تموت بعده » .
ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « فضل كل صاحب يكون على قدر استعلاء ضوء نوره ، لأن الرفعة في الدرجات على قدر رفعة الاستعلاء ، كما قال تعالى : والَّذينَ أوتوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية ، فكلما ازداد العلم زادت الدرجة فناهيك عن هذا المعنى قول النبي فيما يخبر عن المعراج ، أنه رأى آدم في السماء الدنيا وعيسى في السماء الثانية ... وعبر النبي حتى رفع إلى سدرة المنتهى ، ومن ثم إلى قاب قوسين أو أدنى ، فهذه الرفعة في الدرجة في القرب إلى الحضرة كانت له ، على قدر قوة ذلك النور في استعلاء ضوئه ، وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض » .
وعن الذكر وحقيقته الروحية نقول : إذا كانت الصلاة بنص حديث الرسول الأعظم عماد الدين ، من أقامها فقد أقام دينه ، ومن تركها فقد هدم دينه ، فلا شك إذا بأن ذكر الله تعالى هو الأهم في الدين ، لأن الحق سبحانه وتعالى فضله على الصلاة في قوله : إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ بل إن الصلاة بما تشتمل عليه من معان تعبدية ظاهرة وباطنة تصل إلى كونها المعراج الروحي بين العبد وربه ، فإنها ليست أكثر من عنوان من عناوين ذكر الله تعالى لقوله تعالى : أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْري فالذكر يعم فيشمل ، الصلاة ، والصيام ، وكل العبادات ، والمعاملات بما تنطوي عليه كل عبادة من خصائص وفضائل ودرجات ومراتب إيمانية في ديننا الإسلامي العظيم .
إن رأينا هذا مبني على أساس نظرتنا إلى أن الذكر في ذاته حقيقة نورانية مطلقة ، شملت الوجود كله بإشعاعاتها المباركة فتمثلت في كل ما يذكر الله تعالى بشكل عام ، وفي كل ما يوصل إليه سبحانه وتعالى مما جاءت به أو أشارت إليه الشريعة الإسلامية السمحاء بشكل خاص . فمن خلال هذه الحقيقة الأزلية وامتداد أنوارها في كل ذرة من ذرات الوجود ، نطقت الموجودات بتسبيح بارئها ، وكلُ على حسب مرتبته التكوينية ، وعن هذا الذكر قال تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهونَ تَسْبيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَليماً غَفوراً وأهل الحقائق يشهدون هذا التسبيح الدائم والذكر القائم ، فيشهدون الحق تعالى متجلياً في الآفاق وفي أنفسهم . وحين يتجهون إلى العبادات لا تكون عندهم عبادة أنى كانت تلك العبادة الشرعية إلا وهي نوع من أنواع الذكر لله تعالى ، ذلك لأن كل أنواع العبادات ما هي إلا وسائل تذكر المخلوق بالخالق العظيم وتربطه به ، وبالتالي فهي صور منوعة لتسبيح الله تعالى . ولهذا فقد رأينا (كما تقدم في المبحث السابق المشار إليه ) أن الذكر ينقسم على أقسام : ذكر اللسان ، الذكر القلبي ، الذكر بالعمل الصالح .
وفي أنواع الرؤية ليلة المعراج يقول الشيخ أحمد بن علوية المستغانمي : « يذكر القرآن نوعين من الرؤية وقعا للنبي ليلة الإسراء والمعراج : أحدهما بالبصيرة ، والأخرى بالبصر ، وكانت رؤيته لسدرة المنتهى من النوع الثاني ، ولقد ورد وصفها في القرآن بما يلي :
وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى » .
والرابطة الروحية في اصطلاح الكسنزان نقول عنها : هي أول درجات سلم المعراج الصوفي .
وعن رجال المطلع يقول الشيخ الأكبر ابن عربي : « هم الذين لهم التصرف في الأسماء الإلهية ، فيستنزلون بها منها ما شاء الله ، وهذا ليس لغيرهم ، ويستنزلون بها كل ما هو تحت تصريف الرجال الثلاثة ، رجال الحد والباطن والظاهر ، وهم أعظم الرجال ، وهم الملامية ، هذا في قوتهم وما يظهر عليهم من ذلك شيء » .
ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « فضل كل صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره ؛ لأن الرفعة في الدرجات على قدر رفعة الاستعلاء ، كما قال تعالى : والَّذينَ أوتوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ   فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية ، فكلما ازداد العلم زادت الدرجة ، فناهيك عن هذا المعنى قول النبي فيما يخبر عن المعراج : أنه رأى آدم في السماء الدنيا ويحيى وعيسى في السماء الثانية ... وعبر النبي حتى رفع إلى سدرة المنتهى ، ومن ثم إلى قاب قوسين أو أدنى ، فهذه الرفعة في الدرجة في القرب إلى الحضرة كانت له على قدر قوة ذلك النور في استعلاء ضوئه ، وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض » .
ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الجيلاني قدس الله سره : « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به لم ينكره أهل العزة وهذا هو السر الذي استودع في قلب النبي ليلة المعراج في أبطن البواطن الثلاثين ألفاً ، ولم يفشها على أحد من العامة سوى أصحابه المقربين وأصحاب الصفة ، فبركة ذلك السر قيام الشريعة إلى يوم القيامة . فالعلم الباطن يهدي إلى ذلك السر ، والعلوم والمعارف كلها قشر ذلك السر » .
وعن الإسراء والمعراج ( النبوي والصوفي ) عند ابن عربي تقول الدكتورة سعاد الحكيم : « لقد جمعنا كلمتي إسراء ومعراج على ما بينهما من تفرقة ، لأن الفكر الإسلامي أوردهما مرتبطتين من جهة ، فلا يذكر الإسراء إلا ويثنى بالمعراج ، ولأن ( الإسراء ) المحمدي هو في الوقت عينه ( معراج ) ففي إسرائه ليلاً عرج إلى السماء ، أو على وجه التحديد الإسراء هو المرحلة الأولى من الرحلة المحمدية - إذا أمكن التعبير - والمعراج هو المرحلة الثانية منها . وننقل الآن نصوصاً ثلاثة توجه قصدنا في الوصول إلى خصائص المعراج النبوي : يقول : « فهو تعالى معنا أينما كنا ... فما نقل الله عبداً من مكان إلى مكان ليراه ، بل ليريه من آياته ... » « وأعطاه الله في نفسه ( محمد ) علماً عَلِمَ به ما لم يكن يعلمه قبل ذلك عن وحي من حيث لا يدري وجهته . فطلب الإذن في الرؤية بالدخول إلى الحق ، فسمع صوتاً ... يقول له : يا محمد قف إن ربك يصلي ... فأوحى الله إليه في الوقفة ما أوحى ، ثم أمر بالدخول فرأى عين ما علم لا غير ، وما تغيرت صورة اعتقاده » . « ألا ترى النبي في هذا المعراج قد فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة فهو معراج تشريع وليس للولي ذلك » .
يتضح من النصوص الثلاثة السابقة :

1. إن الله أسرى بمحمد ليريه من آياته ، وليس إليه .
2. إن الإسراء تعليم وعلم ذوقي .
3. إن الإسراء والمعراج هما في الحقيقة مرحلتان من مراحل اليقين .

الإسراء : عبور من ( علم اليقين ) إلى ( عين اليقين ) ، من حيث أن حق اليقين هو شهود لعلمه ، وجملة ابن عربي السابقة ( النص الثاني ) تؤكد ذلك : ( فرأى عين ما علم لا غير ) .
المعراج : هو عبور ( من عين اليقين ) إلى ( حق اليقين ) من حيث أن حق اليقين هو العلم الذي يتبع ( الرؤية ) أو ( العين ) . ونرى ابن عربي يكمل جملته التي تشير إلى كون الإسراء عبوراً من علم اليقين إلى عينه ، وبالتالي : ( ما تغيرت عليه صورة اعتقاده ) .
إذن المعراج وصول إلى حق اليقين ، لأن طبيعة ما وصل إليه : عقيدة ، أي علم بعد عين .
ويمكن تلخيص هذه الملاحظة الثالثة كالآتي :
فرأى عين ما علم : علم عين = إسراء .
وما تغير عليه صورة اعتقاده : عين علم = حق ( عروج ) .

 إن المعراج النبوي هو معراج تشريع : كنا قد قارنا في الملاحظة السابقة بين الإسراء والمعراج ومراتب اليقين ، وتوصلنا إلى أن المعراج هو وصول إلى حق اليقين ، ولكن
لكل حق حقيقة (1) فما حقيقة حق اليقين هنا ؟
التشريع : لقد اتخذ التشريع هنا مرتبة ( حقيقة اليقين ) من حيث أنه دليل واضح على كون المعراج النبوي معراجاً حقيقياً جسمياً لا من حضرة التمثيل . وبتلك الحقيقة ينفرد هذا المعراج النبوي عن بقية الإسراءات والمعارج النبوية نفسها ، وعن اسراءات ومعارج الأولياء .
الإسراء والمعراج الصوفي :
اتخذ الصوفية عامة من المعراج النبوي ، أنموذجاً ومثالاً ألهب هممهم ، فاندفعوا في البداية محاولين السير على القدم المحمدي مكتفين من المعراج بالفهم ، فكان جل ما وصلوا إليه من الدخول بعمق أكبر إلى حقيقة الشخصية المحمدية بما لها من أبعاد إنسانية وتجربة فكرية ، ولكن مع تقدم التجربة الصوفية كان للمتأخرين منهم اسراآت ومعارج تنوعت بتنوع رتبهم ومقاماتهم ، وإن كانت تختلف في طبيعتها ونوعيتها عن المعراج المحمدي .
وابن عربي بصورة خاصة وافق ( المعراج ) تكوينه الفكري المشبع بالشعرية ، فكان له عدة معارج خصص لها الكثير مما كتب ، فلم تعوزنا النصوص ، فيقول : « أما الأولياء فلهم اسراآت روحانية برزخية يشاهدون فيها معاني متجسدة في صور محسوسة للخيال ، يعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني ، ولهم الإسراء في الأرض وفي الهواء ، غير أنهم ليست لهم قدم محسوسة في السماء ، وبهذا زاد على الجماعة رسول الله بإسراء الجسم واختراق السماوات والأفلاك حساً وقطع مسافات حقيقية محسوسة ، وذلك كله لورثته معنىً لا حساً ... »(2) .
تبرز من النص السابق النقاط التالية التي تفرق بين المعراج النبوي والمعراج الصوفي :
1. إن المعراج الصوفي معراج روحاني برزخي : أي أنه من ذاك العالم الوسطي حيث تتجسد المعاني في صورة يحسها الخيال .
2. إن المعراج الصوفي معراج ( علم ) ( وتعليم ) بل هو عروج من علم إلى شهود يعطي علماً أعلى ، على حين أن المعراج النبوي إلى جانب صفته العلمية التعليمية فهو معراج تشريع .
( ربط ابن عربي في الفقرتين السابقتين العروج بالعلو المكاني ، ولكنه في هذه الفقرة سيعدل ( بالعروج ) من ارتباطه بالعلو المكاني إلى علو المكانة أي صفة العلو ، وهي للحق وتتبعه أينما كان .
فالعروج لا يفترض الارتقاء والصعود بالحس أو الخيال بل أضحى تعريفه : النظر إلى الحق ، في مقابل النزول : النظر إلى الخلق ، يقول ابن عربي : « إنما سمي النزول من الملائكة إلينا عروجاً ، والعروج إنما هو لطالب العلو ، لأن لله في كل موجود تجلياً ووجهاً خاصاً به يحفظه … ولما كان للحق سبحانه صفة العلو على الإطلاق ، سواء تجلى في السفل أو العلو ، فالعلو له . والملائكة .. إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا لله ، لا لغيره ، فلهم نظر إلى الحق في كل شيء ينزلون إليه ، فمن حيث نظرهم إلى ما ينزلون إليه يقال تتنزل الملائكة ، فهم في نزولهم أصحاب عروج ، فنزولهم إلى الخلق عروج إلى الحق … فكل نظر إلى الكون ممن كان فهو : نزول ، وكل نظر إلى الحق ممن كان فهو : عروج ..» .
وعن إسراءات الأولياء وحقيقتها يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « اعلم أن إسراءات الأولياء كلها روحانية برزخية ، فيشاهدون فيها معان متجسدة في صور محسوسة للخيال ، يعطون العلم بما تضمنته تلك الصور من المعاني . ولهم الإسراء في الأرض وفي الهواء على براق أعمالهم ، وليس لهم قدم محسوسة في السماء ، وبهذا زاد رسول الله على الجماعة ، فإنه زاد بإسراء الجسم واختراق السماوات والأفلاك حساً ، وقطع مسافات حقيقية محسوسة . وذلك كله لورثته معنىً لا حساً من السماوات فما فوقها . فإسراءات الأولياء معان تتجسد بخلاف الإسراء المحسوس ، فمعارجهم معارج أرواح ورؤية قلوب وصور برزخيات . ومراد الحق تعالى أن يري أولياءه من آياته الكبرى لكونهم ورثة رسله ، فهو إسراء لزيادة علم وفتح عين » .
وعن الإسراء الروحاني يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « قد صرح المحققون : بأن للأولياء الإسراء الروحاني إلى السماء بمثابة المنام يراه الإنسان ، ولكل منهم مقام معلوم لا يتعداه وذلك حين يكشف له حجاب المعرفة ، فكل مكان كشف له فيه الحجاب حصل المقصود به ، فمنهم : من يحصل له ذلك بين السماء والأرض ، ومنهم : من يحصل له ذلك في سماء الدنيا ، ومنهم : من ترقى روحه إلى سدرة المنتهى إلى الكرسي إلى العرش » .

المصدر : موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان – الشيخ محمد الكسنزان الحسيني - ج13 ص101.

0 comments:

Powered by Blogger.

Thank's To Follow

Total Pageviews

Popular Posts