Thursday, January 3, 2019


التقوى
التقوى في اللغةنقول اتقى يتقي وقى يقي من الوقاية والتقوى بمعنى الستر والصون والحذر. أي وقاية وصيانة كما يقال في الشائع الوقاية خير من العلاج واصتلاحا هى) امتثال اوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه سرا وعلانية( تبعا لشرع النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ان يجعل العبد بينه وبين ربه وقاية عملية و تقيه غضبه سبحانه وسخطه وقال الحسن البصري رحمه الله .ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام وقال سفيان الثوريرحمه الله انما سموا متقين لانهم اتقوا ما لا يتقى وكتب احد الصالحين الى اخ له في الله ينصحه فقال اوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك وخف الله بقدرقربه منك وقدرته عليك واعلم انك بعينه ولا تخرج من سلطانه الى سلطان  غيرهولا من ملكه الى ملك غيره فليعظم منه حذرك وليكثر وجلك) فلا تتم الا بالتخلى عن كل رذيلة والتحلى بكل فضيلة(للوصول الي التجلي )فهى(  اي التقوى )الطريق الذى من سلكه(اي الطريق )اهتدى والعروة الوثقى التى من استمسك بها(اي العروة )نجا(أي فاز وظفر بكل خير أو نجا من آفات الدارين )واسبابها (اي التقوى )كثيرة منها( اي كثيرة) ان يلاحظ الانسان(هو المخلوق الأول الذي قَبِل حمل الأمانة َ فلما قبل حمل الأمانة كرمه الله أعظم تكريم قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً هو المخلوق الأول والمخلوق المكرم لذلك ورد في بعض أقوال سيدنا الإمام علي رضي الله عنه أن الملائكة ركبت من عقل بلا شهوة وأن الحيوان ركب من شهوة بلا عقل  بينما الإنسان ركب من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة الدليل  إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ سورة البين  وإذا سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)انه(اي الانسان )عبد ذليل(هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول فالمؤمن ذلول كما في الحديث المؤمن كالجمل الذلول والمنافق والفاسق ذليل)وان ربه (اي الانسان )قوى (على مراده  )عزيز(الغالب على أمره[1]) ولا ينبغى للذليل ان يعصى العزيز لان ناصيته بيده(الناصية فى الاصل مقدم الرأس  أو شعر المقدم اطلق وأريد هنا الشخص بتمامه) ومنها(  اي كثيرة) ان يتذكر احسان الله اليه(إحسان الله لك بإيجادك وإمدادك وهدايتك بإحسانك إلى الخلق )فى جميع الاحوال(مفردها الحَالُ الوقْتُ الذي أنت فيه او حالُ الإنسان ما يختصُّ من أُموره المتغيَّرة الحسّيّةِ والمعنوية )ومن كان كذالك لا ينبغى ان تجحد نعمته( اي  إنكار النعمة هو ترك القيام بما وجب عليهم من العلم بمعرفتها يقول الله تعالى واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) ومنها ان يتذكرالموت(اعلم أن الموت هائل وخطره عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فلا ينجع ذكر الموت في قلبه فالطريق فيه أن يفرغ العبد قلبه عن كل شيء إلا عن ذكر الموت الذي هو بين يديه كالذي يريد أن يسافر إلى مفازة مخطرة أو يركب البحر فإنه لا يتفكر إلا فيه فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك أن يؤثر فيه وعند ذلك يقل فرحه وسروره بالدنيا وينكسر قلبه وأنجع طريق فيه أن يكثر ذكر أشكاله وأقرانه الذين مضوا قبله فيتذكر موتهم ومصارعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في مناصبهم وأحوالهم ويتأمل كيف محا التراب الآن حسن صورهم وكيف تبددت أجزاؤهم في قبورهم وكيف أرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم وانقطعت آثارهم فمهما تذكر رجل رجلا وفصل في قلبه حاله وكيفية موته وتوهم صورته وتذكر نشاطه وتردده وتأمله للعيش والبقاء ونسيانه للموت وانخداعه بمواتاة الأسباب وركونه إلى القوة والشباب وميله إلى الضحك واللهو وغفلته عما بين يديه من الموت الذريع والهلاك السريع وأنه كيف كان يتردد والآن قد تهدمت رجلاه ومفاصله وأنه كيف كان ينطق وقد أكل الدود لسانه وكيف كان يضحك وقد أكل التراب أسنانه وكيف كان يدبر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبين الموت إلا شهر وهو غافل عما يراد به حتى جاءه الموت في وقت لم يحتسبه فانكشف له صورة الملك وقرع سمعه النداء إما بالجنة أو بالنار فعند ذلك ينظر في نفسه أنه مثلهم وغفلته كغفلتهم وستكون عاقبته كعاقبتهم[2]و قال الحسن فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي عقل عقلاو قال بعض العلماء لأحد إخوانه احذر الموت في هذه الدنيا قبل أن تصير إلى دار تتمنى فيهاالموت فلا تجده و قال أبو الدرداء  إذا ذكرت الموت فعد نفسك أحدهم و قالت عائشة لامرأة  أكثري ذكر الموت يرق قلبك وقال إبراهيم التيمي  شيئان قطعا عني لذة الدنيا  ذكر الموت  والوقوف بين يدي الله وقال الحسن  من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وقال الحسن  ما ألزم عبد ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده وقال أبو الدرداء  من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده وقال سعيد بن جبير  لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد عليّ قلبي وقال الأوزاعي من أكثر ذكر الموت كفاه اليسيروقال الثوري لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ما أكلتم منها سميناوقال الحسن بن عبد العزيز  من لم يردعه القرآن والموت  فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع وقال أبو نعيم  كان الثوري إذا ذكر الموت لم يُنتفع به أياماً  وفي الحديثأكثروا ذكرهاذم اللذات )لان من علم انه سيموت وانه ليس امامه الا الجنة او النار بعثه ذلك الى الاعمال الصالحة(هي ما كانت موافقة للشرع  ويكون صاحبها مُخلصاً لربه تبارك وتعالى )حسب الاستطاعة( قال الطحاوي رحمه الله والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي  يعني الاستطاعةمع الفعل وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب كما قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ومن الاعمال الصالحة مساعدة المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً أو تقضي له ديناً أو تطعمه خبزاً[3]  و قال المناوي في فيض القدير أفضل الأعمال أي من أفضلها أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار، والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه أن تدخل أي إدخالك على أخيك المؤمن أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب سروراً أي سبباً لإنشراح صدره من جهة الدين والدنيا أو تقضي تؤدي عنه ديناً لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل أو تطعمه ولو خبزاً فما فوقه من نحو اللحم أفضل وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الإخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه انتهى) والنظر اليهم بعين العطف(اي عاملهم برفق ولين ورقّة )والرحمة (هي  رِقَّةُ القلب في المُكلَّف تُوجِبُ بذلَ الخير ونفعَ المرحوم، وكفَّ الأذى عنه وهي صفةُ كمالٍ في المُكلَّف اتَّصَف بكمالها نبيُّنا محمدٌ  صلى الله عليه وسلم  وغيرُه من البشر دونَه في هذه الصفة العظيمة قال الله تعالى لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ومن لا رحمةَ في قلبِه فهو جبَّارٌ شقيٌّ عن أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ[4] )خصوصا(اي لاَسِيَّمَا) اذا سبق(اي تقدم )منهم احسان اليه(اي الانسان)واما ثمرتها(اي حاصل التقوى)  ف( هو )سعادة(اي فرَحٍ وابْتِهَاجٍ بمعنى كُلُّ مَا يُدْخِلُ البَهْجَةَ وَالفَرَحَ عَلَى النَّفْس) الدارين اما فى الدنيا( اي الحياة الحاضرة  عكسها الآخرة لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ) فارتفاع القدر(اي نصيب )وجمال الصيت( اي المَشْهُورٌ)والذكر(الحسَن) واكتساب ( اي طلب) المودة( اي المحبَّةُ و هي عطاء الفطرة الذي لا تكلف فيه و لا صنعة و لا احتراف و هو صفة النفوس الخيرة و خلة الأبرار الأخيار من الرجال و النساء وقيل الفرق بين المحبة المودة فالحب هو المؤثر والمودةهو أثر للحب
المحبة لابد من ورآها المودة علامة الحب هو المودةإذن الحب صفة نفسية عاطفة قلبية وأما المودة فهي أثر سلوكي أثر عملي متفرع على الحب) من الناس(اسم للجمع من بني آدم  واحده  إِنْسَانٌ من غير لفظه  وقد يراد به الفُضلاء دون غيرهم  مراعاةً لمعنى الإِنسانيّة  وفي التنزيل وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ[5] )لان صاحب التقوى يعظمه الاصاغر(‏ هم من دون الأكابر في السن أو القدر أو في كل منهما )ويهابه(اي يحترمه )الاكابر( اي عظماء وشرفاء )ويراه كل عاقل( هو من يعتمد على عمله و يغلق فمه قبل ان يغلق الناس آذانهم و الجاهل يعتمد على أمله) انه ( اي صاحب التقوى الاولى بالبر(معنى البِرِّ لغةً البِرُّ الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل وبَرَّ يَبـَــرُّ إذا صَلَحَ وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ إذا صدَّقه ولم يحنث وبَرَّ رحمه يَبَرُّ إذا وصله ويقال فلان يَبَرُّ ربَّه ويتبرَّره أي يطيعه ورجل بَرٌّ بذي قرابته وبارٌّ من قوم بررة وأبرار والمصدر البِرُّ والبَـرُّ الصَّادق أو التقي وهو خلاف الفاجر والبِرُّ ضدُّ العقوق وبَرِرْتُ والدي بالكسر أَبَـــرُّهُ برًّا وقد بَرَّ والده يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا وهو بَـرٌّ به وبارٌّ وجمع البَرِّ الأبرار وجمع البَارِّ البَرَرَةُ
واصطلاحًا قال المناوي البِرُّ بالكسر أي التوسُّع في فعل الخير والفعل المرضِي الذي هو في تزكية النَّفس يقال بَرَّ العبدُ ربَّه أي توسَّع في طاعته وبِرُّ الوالد التَّوسع في الإحسان إليه وتحرِّي محابِّه وتوقِّي مكارهِه والرِّفقُ به وضدُّه العقوق ويستعمل البِرُّ في الصِّدق لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه
قال القاضي المهدي والبِرُّ هو الصِلة وإسداء المعروف والمبالغة في الإحسان
)والاحسان(فإن الإحسان مشتق من الحُسن الذي هو الجمال والبهاء لكل ما يصدر من العبد من خطرات ونبرات وتصرفات وهو أعلى مقامات الرفعة الإنسانية  والمفتاح السحري لكل أزماتها وجسر سعادتها الأبدية وكفى الإحسان شرفا أن البشرية جمعاء اتفقت على حبه ومدحه وأجمعت على كره ضده من كافة صنوف الإساءة ولذلك أولى الإسلام الإحسان عناية بالغة وجعله أسمى هدف تصبو إليه نفوس العابدين وهو طريق الوصول لمحبة الله تعالى ومعيته ورحمته، بل ورؤيته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم في جنة الخلد في مقعد صدق عند مليك مقتدرومن أبلغ الأقوال في الإحسان قول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ[6] ففي هذه الكلمات النبوية الجامعة من مقتضيات المراقبة والخشية والإنابة والإتقان والاتباع وصفاء السريرة ما فيه صلاح الدنيا والآخرة فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين أعلاهما عبادة الله كأنك تراه وهذا مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه حيث يتنور القلب بالإيمان وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان وهذا هو حقيقة مقام الإحسان ولذلك لما خطب عروة إِلَى ابن عمر ابنته وهما في الطواف لم يجبه بشيء ثم رآه بعد ذلك فاعتذر إِلَيْهِ وقال كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا[7]
الثاني مقام المراقبة وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله تعالى وإرادته بالعمل قال الحارث المحاسبي أوائل المراقبة علم القلب بقرب الرب وقال بعض السَّلفمن عمل لله عَلَى المشاهدة فهو عارف ومن عمل عَلَى مشاهدة الله إياه فهو مخلص ويتفاوت أهل هذين المقامين بحسب نفوذ البصائر  لذلك قال النووي رحمه الله وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وقالوا أيضا في الإحسان فعل الخيرات على أكمل وجه تحسين الظاهر والباطن الإتيان بغاية ما يمكن من تحسين العمل المأمور به ولا يترك شيئاً مما أمر به امتلاء القلب بحقيقة الألوهية كأنه يشاهد الله عياناً مراعاة الخشوع والخضوع وبالجملة فالإحسان هو الذي خُلقنا من أجله قال تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ثم بيّن الحكمة فقال لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [8]والإحسان ذروة الأعمال وهو أن تقدم الفعل من غير عوض سابق بل يساء إليك ولا يسعك إلا أن تقدم الإحسان كما فعل يوسف الصديق عليه السلام يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [9] فعاملهم بالإحسان فلم يعبر لهم الرؤيا فقط بل أعطاهم الحَل معه فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ بل إن الذي يستلفت النظر في قصة يوسف عليه السلام كثرة تكرار صفة الإحسانفكان محسنا مع ربه ومع الناس وهما متلازمان- فقد سمى الله قصته نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ[10] أي من أحسنه ورتب على الإحسان إيتاءه الحكم والعلم مع الشباب وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[11] ووصفه السجناء بذلك نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[12] وبه مكنه الله تعالى في الأرض وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[13] وقال له إخوته وهم لا يعرفونه قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[14]
وقال عن نفسه وأخيه {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[15]
ثم أثنى على ربه بإحسانه إليه وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [16]فلم يذهب إحسانه سدى، فكل إحسان يفعله العبد حتى فيمن لا يستحقون لابد أن يكافئه عليه الله تعالى هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[17] فاصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله والإحسان خير مكانة يتبوأها العبد لأنه إن أساء وسعه بعده الإيمان ثم الإسلام أما من يعيشون على الحد الأدنى للإسلام فهو مع النقص مهدد بكفر الاعتقاد أو كفر النعمةوخلق الإحسان يتسع ليشمل القول والعمل والعبادات والمعاملات .. فهو إكسير الحياة الذي يحيلها طيبة متآلفة، لذلك جعل الله تعالى رحمته ومحبته جائزة المحسنين وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [18] إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ[19]كما أن القلوب جبلت على حب من أحسن إليهاولذلك قال صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن[20]
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم*** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وأعظم ثمرات الإحسان قوله تعالى لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ الحُسْنَى[21] أي البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال وهي الجنةوقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنةولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك الإحسان من المناسبة فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جزاهم على ذلك العمل النظر إليه عياناً في الآخرةهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[22]وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [23]لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [24]إن الإحسان هو الأمارة الدالة على الفوز والنجاة. فمن كان من أهل السعادة عَمِل عَمَل المحسنين ومن كان من أهل الشقاء عمل عمل المسيئين فهو طريقك وهدفك ومحل كدك ونصبك روى الطبراني عن أبي سلمة عن معاذ رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أوصني قال اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنةالسر بالسر والعلانية بالعلانية حسن لغيره )واما فى الاخرة (هي دار البقاء بعد الموت  اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا واعمل لآخِرتك كأنّك تموت غدا معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور الدنيا والتهاون بأمور الآخرةبل معناه على العكس وهو المبادرة والمسارعة في إنجاز أعمال الآخرة والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيالأن قوله  اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدايعني أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غدا والذي لا ينقضي غدا ينقضي بعد غد فاعمل بتمهل وعدم تسرع لو فات اليوم فما يفوت اليوم يأتي غدا وهكذاأما الأخرة  فاعمل لأخرتك كأنك تموت غدا أي بادر بالعمل ولا تتهاون وقدر كأنك تموت غدا لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت هذا هو معنى هذا القول المشهور لسيدنا علي رضي الله عنه فالنجاة من النار والفوز بدخول الجنة أسباب النجاة من النارفكما جعل الله سبحانه وتعإلى أسباباً للمغفرة والعفو والرضوان جعل أيضاً أعمالاً تنجي صاحبها من النارفمن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ[25] وهذه بعض من هذه الأعمال من مات له ثلاثة من الولد وصبر عن واثلة قال قال رسول الله من دفن ثلاثة من الولد حرّم الله عليه النار[26] ومن عال ثلاث بنات أو أخوات وأحسن إليهن و عن سيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار[27]  و الذبّ والدفاع عن عرض المؤمن وهو غائب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت قال رسول الله من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار[28] ومن صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى عن أنس قال قال رسول الله من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق[29] وحسن الخلق عن أبي هريرة قال قالرسول الله من كان سهلاً هيناً ليناً، حرمه الله على النار[30] و المحافظة على صلاة الفجر والعصر عن عمارة بن رويبة قال قال رسول الله لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها[31] وغبار الجهاد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ما خالط قلب امرئ مسلم رهج في سبيل الله إلا حرّم الله عليه النار[32] والرهج هو الغبار وكفى المتقين شرفا ان الله يقول فيهم (ان الله مع الذين اتقوا(اجتنبوا المعاصى ومعنى المعية الولاية والفضل )والذين هم محسنون(فى اعمالهم ويقال مع الذين اقتوا مكافاة المسيئ والذين هم محسنون الى من يعادى اليهم فالاحسان على الوجه الاول بمعنى جعل الشئ جميلا حسنا وعلى الاثنى ضد الاساءة وفى الحديث  ان للمحسن ثلاث علامات يبادر فى طاعة الله ويجتنب بمحارم الله ويحسن الى ما اساء اليه[33]


[1] تفسير الجلالين
[2] الاحياء علوم الدين الامام الغزالي
[3] رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والبيهقي وغيرهما
[4] رواه أبو داود والترمذ
[5] البقرة آية 13
[6] البخاري ومسلم
[7] الحلية أبو نعيم
[8] الملك:2
[9] يوسف 46-48
[10]  يوسف3
[11] يوسف22
[12] يوسف36
[13] يوسف56
[14] يوسف78
[15] يوسف90
[16] يوسف100
[17] الرحمن60
[18] آل عمران:134
[19]  الأعراف:56
[20] الترمذي
[21] يونس:26
[22] الرحمن:60
[23] المطففين:15
[24] النجم:31
[25] آل عمران:185
[26] رواه الطبراني
[27] رواه البيهقي
[28] رواه أحمد
[29] رواه الترمذي
[30] رواه الحاكم
[31] رواه مسلم
[32] رواه أحمد
[33] تفسر حقي

Powered by Blogger.

Thank's To Follow

Total Pageviews

Popular Posts